عندما يتهدم حصار الوهم

وبعد،،،

فهي عزة الإيمان... وإيمان المعتز بدينه وعقيدته... وعقيدة المؤمن بربه... أن الله ناصر الإيمان وأهله... صورة رأيناها بإرادة الأحرار... وبحرية تفجرت لتصنع الانتصار... انتصار شعب ظلم... وحوصر... فمنع عنه القوت... والدواء... وحرية الخروج والدخول... ولكنه بإيمانه وبنصرة الله له انتصر... يوم حطم جدار الصمت فتكلم... وحطم جدار الواقع فخرج... ليقول للعالم أنها حدود وهم... وحدود ظلم... وظلم مستبد... واستبداد غاشم... لابد له أن يزول وقد زال...

إنها إرادة الأحرار عندما تنتصر على جبروت المتجبرين... وعلى ظلم الظالمين...

لقد أثبت هذا الشعب أنه قوي... قوي بدينه... وقوي بإرادته... وقوي بجهاده... هذا الشعب مرة أخرى يعلم العالم... أنه أقوى بإرادته من حدود صنعتها إرادة المستعمر الواهم...

إن جدار رفح الذي تحطم... هو عنوان مرحلة جديدة في تاريخ فلسطين... مرحلة عنوانها أننا أقوى بإرادتنا من إرادة المحتل... نحن أقوى بإرادتنا من إرادة الجوع ... نحن أقوى بإرادتنا من إرادة القتل ... والحصار...

إن ما جرى بالأمس القريب... لهو درس عظيم... لنا أولاً... وللعرب ثانياً... ولأمة الإسلام ثالثأً...

إنه درس للعالم كل العالم... وللتاريخ أن الشعوب الحية في قلوبها... الحية بإرادتها... الحية بعزيمتها المصممة على الانتصار تنتصر... برغم القهر تنتصر... وبرغم الحصار تنتصر.. وبرغم الفقر والحاجة تنتصر... لأنها أرادت الانتصار... ولأنها انتصرت في داخلها... انتصرت على الوهم الذي يسمى محتل...

لقد كان المشهد أكبر في جلاله ... وأكبر في معانيه من كل فراق عم أرضنا في أشهر مضت... إن جدار رفح المنهار... إنهار معه وهم ما يسمى بالخلاف الداخلي... لأن غزة يوم حوصرت أول من بكاها كان رام الله... وأول تضامن معها كان هذا الشعب الحر في الضفة... لأن هذا الشعب جرحه أكبر من خلافات أوهمنا أنفسنا أو أوهمنا غيرنا أو أوهمنا من هم منا أنها تفرقنا...

نعم فيوم أظلم ليل غزة... ويوم منع الخبز عن أهلها... تضامن العرب كل العرب معها...

وكانت مصر بأهلها... مصر بشعبها ... مصر بتاريخها... مصر بشهامة رجالها أول الناصرين لها ...

نعم لأن مدلولات تحطم جدار العزل... جدار الظلم... أكبر في معانيها من معدن ممدد على الأرض تدوسه أقدام شعب ظلم طويلاً...

إنها لحمة الدم... ولحمة التاريخ... وجغرافيا الأرض العربية الإسلامية العصية على التقسيم وإن طال...

إنها معاني كبيرة تختصرها كلمات الله يوم قال:{إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 92]

إنه عنوان القرآن... وقرآنية المرحلة... ومرحلة عنوانها {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون : 52]

إنها مرحلة الربانية في التحول... وتحول في مجرى الأحداث أكبر في معناه ... وأعظم في مدلوله ... من خلاف حصل...

فيا أهلنا... كل أهلنا....ويا شعبنا ... كل شعبنا...

ها هي شمعة جديدة في تاريخنا تضاء...وناقوس خطر في بيت صهيون يدق... فها هي محطة جديدة من محطات الانتصار تسجل لهذه الأمة... برغم إرادة المحتل...

ولكل المشككين نقول... إن جيش صهيون عندما خرج حاسراً من سيناء لم يخرج لأنه يريد البقاء...

وعندما ولى الدبر في جنوب لبنان ... لم يولي الدبر لأنه منتصر... وعندما انسحب من غزة لم ينسحب لأنه قادر... واليوم يتحطم الجدار رغماً عنه يتحطم... ولو أنه يستطيع أكثر من الفرجة لفعل... ولكنها دولة أوهى .. وأضعف ... وأذل ... وأحقر من أن تفعل شيئاً أمام طوفان الشعب الحي المجاهد... هذه هي الحقيقة...

الحقيقة التي ربما لا تعجب بعض المشككين... وكثير من المهزومين والانهزاميين ..

الحقيقة ... أن يهود إلى زوال... وبيت صهيون سوف يتهدم... بالدم سوف يتهدم... وبالإرادة سوف يتهدم... وبكم وبأيدكم يا صناع التاريخ... سوف تسطر صفحات العزة في تاريخ الأمة كما سطرت بالأمس صفحة العزة على حدود غزة ... بأيدي الخنساوات والحرائر هناك... وقد رأى العالم ماذا فعلت خنساوات غزة...وسوف يسطر التاريخ أنهن حطمن جدار الظلم ... وحدود الوهم...

فيا سادة الوطن في غزة وفي رام الله... الظن بكم جميعاً ظن خير... ولكنها مشاعر شعب طالما ظلم ... من العدو ظلم... ومن الصديق ظلم... ومن القريب ظلم ... ومن البعيد ظلم... فطالما ظلم هذا الشعب... وطالما قهر هذا الشعب... وأشد القهر الذي يعانيه المواطن الحر اليوم... البعيد عن السياسة وأهوائها... هو حال الفراق الذي طال... اليوم نقولها والأمل بكل المخلصين من أبناء هذا الشعب... أن تكون هذه اللحظة لحظة تعالي على الذات... وتعالي على الهوى السياسي... سواء هناك في غزة... أو هنا في الضفة... فيا سادة الوطن هنا وهناك... نقول أن دمنا أكبر... وجرحنا وجرح الوطن أعمق من توزيع وزاري... أو رضا فصيل وحرد آخر... إن جرحنا أكبر من تصريحات ومؤتمرات تعقد هناك في غزة... أو رد عليها هنا في الضفة... إن زمن المهاترات ولى... ولى يوم جاع الأطفال في غزة... ويوم منعت الكهرباء عن غزة... ويوم حوصر أهلنا حتى الموت في غزة...

نقولها وبملئ الفم نقول:

خلو التعصب عنكم واستووا عصبا
على الوئام لدفع الظلم تعتصب
هذا الذي قد رمى بالضعف قوتكم
وغادر الشمل منكم وهو منشعب

نقول لكل أهلنا وكلكم أهلنا... لكل شعبنا وكلكم شعبنا نقول... إن حال الفراق وإن طال... لابد له من نهاية... نهاية عنوانها نحن شعب اكبر بجراحة من هوى السياسة والسياسيين...

فلا تجعلوا التفريق يفرط عقدنا
فرجاؤنا عبث إذا لم يعقد
كنتم وكنا والبلاد بلادكم
وبلادنا فعلام لا نتوحد

نقولها: الأمر سواء هنا وهناك... هنا في الضفة وهناك في غزة...

الأمر سواء لأننا شعب واحد... كلنا سواسية... كأسنان المشط سواسية... سواسية في الجوع إذا جعنا... وسواسية في الألم إذا تألمنا... سواسية في النصر... سواسية في الهزيمة... واليوم هو يوم الانتصار على القهر... وعلى الظلم... وعلى الفراق... وما لنا من كلمة نقولها إلا كلمة الله يوم قال:

{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 46]